مِن خِلالِ دُخانِ سيجارَتي
رأيتُها تَتَمايل على أنغامِ تِلكَ الموسيقى
التي، كَدويِّ الرَّعدِ، تَصُمُ الآذان؛
تَرقُصُ بِخِفة شَبَحٍ َتَرأى لي مِن ثُمَّ يَختَفي…
مِن بَينِ تِلكَ الخيوطِ المُنبَعِثة
مِن الحَشيشِ المُجفّفِ المَحروق
المَلفوف بوَرَقةٍ هَشّةٍ
أخَذتُ أتأملُ واحِدةٌ مِن صُنعِ الله،
إلاّ أنّها قَد تَخَلّت عَنهُ
لِتستَبدِلَهُ بإلهِ اللّهوِ والمَرَح؛
إلهٌ أخضَرٌ أملَسٌ
حلَّ مَكان الخالِقِ
وأضحى جُلَّ ما تَفكّرُ بِهِ وتَعبُد…
لا أدري ما أصابَني
فلمّا لَمَحتُ ذاكَ الجَسد
وكأنَّ صاعِقةٌ ضَرَبت وِجداني
وأنسَتني ماضيَّ وحاضِري؛
فَرُحتُ أنظُرُ إليها وأتَسأل:
عَلى وجهِها ملامِحُ طِفلٍ أبى أن يَكبُر ،
وفي عَينَيها بَريقُ امرأةٍ يَسطُعُ مَع كُلِّ هَزّةِ خَصرٍ،
ويَزيدُ سِحرُها غَرابةً
والمَلايينَ مِنَ البَشَر…
ومِن خِلالِ ذاكَ الدُخانِ
الذي قَد أعماني،
رَمَقتني بِنَظرَةٍ مُمتَلئةٍ بالشَغَفِ
ووَجدتُ نَفسي، بلَحظات،
بَينَ أحضانِها العارية،
فأسلَمتُ روحي لِتِلكَ القِوى
ورُحتُ أتلذّذُ بِطًعمِ الرّحيقِ
المَنبثِقِ مِن عُطرِ جَسَدَها
إلى أن أدمَنتُ الهَوى والمَجون…
فَعلى نَهدَيها بَنَيتُ مَعبَدي
وفي أدغالِها أضَعتُ إسمي
وتُهتُ عَن تاريخِ ميلادي…
وإذ بالنَشوَةِ تأتيني مِرارً وتِكراراً
مَمزوجَةٍ بألمِ الإحساسِ بأظافِرِها
الّتي، كالسّكينِ، تقطَعُ شَرايني،
والشُّعورِ بالذّل؛
فَكَما الحِذاءُ القَديمِ رَمَتني
وانتَعَلت حِذاءً جَديد،
وأنا راضٍ بِهَذا القَدَر…
فاترُكي لي هَذا الجُرحُ في قَلبي،
اغرُزي أنيابَكِ في صَميمي
ودَعيها كمَا الإزميلِ تَحفُر وتُخلّفُ آثاراً لا تُمحى،
لكِنّكِ، يا عَزيزتي،
لن تَرَينَ قَطرَةَ دمٍ تَنزِفُ مِنّي،
فإن كُنتِ لا تَعلَمين
أنا مَيت!
مُجرّدُ شَبَحُ إنسانٍ
يطوفُ عَلى وجهِ الأرض،
روحٌ تائِهة في زوايا الكَون؛
لَستُ إلا وَهمٍ مِن صُنعِ خَيالُكِ…
فيا فاسِقة،
اللّذةُ مَعكِ ما هي سِوى دَقائقٌ
أمّا المَوتُ فَهو مُحتّمٌ أكيد،
ومِثلَما أنّي يَوماً لَن أكون
ما أنتِ إلا عاهِرَتي البَيضاء…